الذكرة السنوية الثامنة لعروج الشهيد أبو بكر السامرائي.. أسد الحدود الذي ترجل شهيدًا
2025/02/21
هناك رجالٌ خُلِقوا ليكونوا أعمدةً للوطن، يقفون في وجه العواصف، ويتقدمون الصفوف حين يتراجع الآخرون. هم أول من يهبّ للدفاع، وآخر من يفكر بالنجاة، لأنهم أيقنوا أن الأرض لا تصان إلا بالدماء، ولا تُكتب البطولات إلا بالتضحيات. ومن بين هؤلاء الأبطال، يقف اسم الملازم أول أبو بكر عباس حسين الدراجي السامرائي شامخًا كالنخل، ساطعًا كالشمس، نقش اسمه في سفر الخالدين يوم قدّم روحه قربانًا لوطنه في ميدان العز والشرف.
في ذكرى استشهاده الثامنة، نقف عند سيرة فارس لم يعرف الخوف، وجندي اختار الميدان على الراحة، ليكون شاهدًا على ملحمة البطولة والفداء.
وُلِد الشهيد في عام 1986 في بغداد – العامرية، وكان الأخ الأصغر بين إخوته، محبوبًا بينهم يُلقب بـ "النمر" لما عُرف عنه من قوة الشخصية وشجاعته. عاش حياته أعزب، متفانيًا في خدمته العسكرية ضمن قوات حرس الحدود العراقية، حيث كان مثالًا للجندي الملتزم بواجبه الوطني والمستعد للتضحية في سبيل العراق.
عُرِف الشهيد بأخلاقه الرفيعة وحبّه لمساعدة الفقراء، كما كان شديد الاهتمام بمظهره الشخصي، يحمل في قلبه روحًا وطنية عالية. وكان دائمًا يردد مقولته الشهيرة: "إن قُتِلت فادفنوني في كربلاء"، إيمانًا منه بقدسية الأرض التي احتضنت سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام).
يوم الاختطاف: لحظات الوداع الأخيرة
في يوم استشهاده، كانت والدته صائمة، وما إن اقترب وقت الإفطار حتى اتصلت به، ليجيبها بصوت مطمئن: "أنا أكملت كل شيء عندي، والآن نحن في طريقنا إلى كربلاء".
لكنها حذرته من أن الأوضاع الأمنية ليست مستقرة، فردّ قائلاً: "اتفقت مع أصدقائي على المجيء، وهم بانتظاري".
بعد الإفطار، حاولت الاتصال به مجددًا، لكنها صُدمت بأن هاتفه مغلق. وبعد فترة، فُتح الهاتف، فوردت إلى والدته رسالة نصيّة صادمة: "هل أنتِ والدة بكر؟"
أجابت بحزن وقلق: "نعم، وليدي أنا والدته". فجاءها الرد القاسي بصورة تُظهر ابنها مقيد اليدين، وأعقبها تهديد قاتل: "غدًا الساعة 11 سنرسل لكم فيديو إعدامه".
بعد ساعات قليلة، أُرسلت صورة أخرى إلى والده، لكنها كانت أقسى من سابقتها، إذ ظهر فيها أبو بكر وقد فُصل رأسه عن جسده، ليكون المشهد أكثر فتكًا بقلوب عائلته، التي أصيبت بصدمة لم تندمل جراحها حتى اليوم. لم يكتفِ الإرهابيون بذلك، بل رفضوا تسليم جثته، وقاموا بإعدام رفاقه الذين اختُطفوا معه أيضًا.
مهمة الوفاء بالواجب
في ذلك اليوم، كان الشهيد أبو بكر مكلفًا بمهمة إيصال صهريج وقود إلى وحدته في منطقة "المخاط" بالصحراء الغربية، بالقرب من الحدود العراقية – السعودية. وبعد أن أنجز مهمته بنجاح، عاد إلى وحدته، إلا أن مجموعة مسلحة مجهولة اعترضت طريقه عند نقطة تفتيش وهمية، لتبدأ فصول المأساة التي انتهت بإعدامه بطريقة وحشية على يد التنظيم الإرهابي.
موقف والده: فخر رغم الألم
رغم مرارة الفقد، يتحدث والده عباس السامرائي عنه بكل فخر، مستذكرًا شجاعته وإصراره على البقاء في الميدان رغم خطورة الوضع. فقد حاول إقناعه أكثر من مرة بالانتقال إلى بغداد حفاظًا على حياته، لكن الشهيد كان يردد بإيمان راسخ: "حالي مثل حال الآخرين"، مؤكدًا أن الواجب فوق كل اعتبار.
الخلود في ذاكرة الوطن
ثماني سنوات مرت على استشهاد الملازم أول أبو بكر عباس السامرائي، ولا تزال ذكراه محفورة في وجدان أهله ورفاقه، فقد جسّد أسمى معاني الإخلاص والتضحية من أجل العراق. هو ليس مجرد شهيد، بل قصة بطولة تُروى للأجيال، وعنوان صمود في وجه الظلم والإرهاب.
فسلامٌ على الشهيد الشامخ، وسلامٌ على روحه الطاهرة التي أبت إلا أن تظل رمزًا للعزة والكرامة.