كإنك تشتمني ..
2025/02/26
لم أكن ولا صاحبي ممن دأبوا على كتابة الرواية، أو تعلموا فنون القصة؛ لنسحركم بقراءتها ونشدكم بأحداثها، لذا التمس القارئ الكريم أن يتمم الحكاية حتى النهاية.
صاحبي يعمل في مستشفى الكفيل التخصصي، يتفقد المرضى وخصوصاً جرحى الحشد الشعبي، شده ذلك الشاب ذو الأصول العلوية الميسانية الجنوبية، وهو يستنجد به أن يتدخل لتسريع بتر رجله من أسفل الركبة.
ولمَ يا سيدي؟ الناس تدفع الملايين كي تبقي إصبعاً، وكادرنا الجراحيُّ يقول إن هناك نسبة كبيرة في نجاح العملية، وستشفى وتسلم لك رجلك، وأنت تقول اقطعوها! هل تؤذيك إلى هذا الحد؟
كلا يا صديقي...
انفض الممرضون والأطباء، وأشار لي أن أدنو منه، وهمس في أذني: انني أخشى أن يطول زمني العملية وتداخلاتها، وما أعرفه أن البتر سريع الشفاء، فأنا متشوق للعودة إلى القتال!!!
أتبتر ساقك وتعود؟
نعم والله أعود!
كانت بقربه عربة معوقين كهربائية تعمل بالبطارية، التفت إليها شاهدت آثاراً للواصق على واحدةٍ من دكتيها، قلت له: ما هذه؟
فأشار لي أن أدنو من ثانية، إصابتي قبل أكثر من عام، وقد التحمت رجلي على عيب شديد أعاقتني من الحركة، فأهديت لي هذه العربة، وعدت إلى القواطع لأقاتل عليها، فأربط عليها ألـ بي كي سي وأقاتل!
ثم أردف قائلاً: وحقك كان قتالي يتعجب منه الأصحاء!!!
أشعر وكإنك تشتمني فأين انا مما أسمع وأرى؟ اني احتقر نفسي، أكره نفسي أنلتذ بنعيمٍ ومثلك هناك...
لا لا انت قدمت لي خدمة كبيرة، نحن بتنا إخوة، أشعر بالراحة للحديث معك، أرجو ان لا يطلع أحدٌ على حديثي معك..
اسمع مني، في إحدى المرات اشتدت المواجهة مع داعش والـ (بي كي سي) مربوطة بالعربة، فتقدمتُ عليها وصعدت بعضاً من الساتر، وعندما تطلب الأمر نزولي والرصاص ينهمر كالمطر نفد شحن البطارية وتوقفت العربة، فأسقطت نفسي منها متدحرجاً لأسفل الساتر..
يقصُّ على ذلك وهو يضحك وكأنه أراد أن ينتشلني من حزني!!!
يقول صاحبي أردت أن أسبر أغوار هذا الشاب ما دوافعه؟ ما أهدافه؟ كيف يفكر؟ أهو مسلوب العقل بالمد الجمعي؟ يرُائي؟ طائش؟ يطمع في غنائم؟
فلم أجد سوى فطرة نقية ومعارف دينية على قدر الحال، وفيض لا يوصف من الشجاعة والوطنية والغيرة.
سألته أخيراً وليتني لم أسأله:
أين تسكن الآن؟
في المقبرة.
لا لا، أنت تمزح معي، أخبرني بصدق اين تسكن؟
صدقني فأنا لا امزح معك، أسكن في مقبرة النجف، تركت عيالي هناك إذ أنشأت لهم سقفاً في قطعة (تجاوز) داخل المقبرة! لا عليك الله يدبر الأمور، وهو ارحم الراحمين!