الشهيد حسين عريان..حلمٌ على هيئة وجه وملامح تناثرت في سبيل الوطن
2025/04/19
بقلم: اكرم علي الداوودي
في كل حرب، هناك وجوه تغيب، وأسماء تتوارى خلف ضجيج المعارك... لكن هناك من تبقى ذكراهم محفورة في الوجدان، لا لبطولتهم في القتال فحسب، بل للقصص الإنسانية التي يحملونها معهم إلى ساحة المواجهة، ومن بين هؤلاء، يبرز اسم الشهيد حسين عريان مردان صادق، الذي لم يكن جنديًا عاديًا، بل إنسانًا حمل جرحين: واحدًا في وجهه، وآخر في قلبه.
وُلِد حسين عام 1983 في مدينة كركوك، مدينة التعدد والطيبة، وعاش فيها حياة بسيطة مطبوعة بالخجل والهدوء...
كان يعاني من مشكلات جلدية في وجهه، تركت عليه آثارًا واضحة منذ صغره، وهو الأمر الذي شكّل جدارًا خفيًا بينه وبين أحلامه، خصوصًا حلم الزواج وتكوين أسرة.
كان حسين، كأي شاب، يحمل حلمًا صغيرًا لم يكن يتعدى أمنية أن يُقبَل كما هو، ومع كل محاولة للارتباط، كان يُقابل بالرفض، ليس لعيبٍ في خُلقه أو دينه، بل لمجرد تلك الندوب التي رسمها القدر على وجهه.
لم يكن يتأفف أو يتذمر، بل كان يبتسم، صابرًا، منتظرًا اللحظة التي يستطيع فيها أن يُعيد لوجهه شيئًا من القبول.
وبالفعل، قرر في أحد الأيام أن يُجري عملية تجميلية في الخارج، وبدأ بالاستعداد لها، مدفوعًا بأمل أخير في تغيير مصيره الشخصي. لكنه، وقبل أيام من موعد السفر، تغيّر كل شيء.
في ربيع عام 2015، كانت قرية البشير تصرخ تحت وطأة الاحتلال الداعشي، وكان على أبناء العراق أن يلبّوا النداء. لم يتردّد حسين، وترك حلمه مؤقتًا، كما قال لأصدقائه، ومضى إلى الجبهة مقاتلًا في المحور الجنوبي، حيث كانت الاشتباكات الأعنف.
كان يقاتل بشراسة، ليس بدافع الغضب، بل بدافع الإيمان. لم يكن يبحث عن نصر شخصي، بل عن كرامة وطن وعودة حق. وفي أحد أيام المعركة، اقتحمت عربة مفخخة نوع "همر" مواقع المجاهدين، واخترقت صفوفهم حتى انفجرت وسطهم، مخلّفة 16 شهيدًا، وكان حسين أحدهم.
لم يتعرف رفاقه على ملامحه... فقد تناثرت في الهواء.
لكن الغريب أن الحلم الذي طالما سعى إليه حسين، تحقّق بطريقته الخاصة. لقد ذهب ليجري عملية تُعيد ملامحه، فكان أن صعد بروحه إلى حيث لا يُسأل الإنسان عن شكله، بل عن عمله. لم يعد بحاجة إلى وجه جميل ليُقبل به زوجًا، فقد صار شهيدًا يُقبَل عند ربّه، بوجهٍ تلاشت ملامحه على الأرض، وارتفعت روحه مزيّنة بجمال التضحية.
هكذا انتهت قصة ذلك الشاب الذي حمل حلمين: أن يُحَب، وأن يُستشهد. وقد شاء الله أن يتحقق حلمه الأسمى، لينال الخلود، وتُصبح قصته درسًا لكل من ظنّ أن القبول بالمظهر، وأن الوجوه هي من تصنع الرجال.