مهاجرٌ عاد إلى تراب الوطن شهيدًا
2025/02/22
بقلم اكرم علي الداوودي
على عتبات المجد يُكتب الخلود، وبدماء الأبطال تُرسم ملاحم العزة والفداء.... هكذا كان أبناء الفتوى، رجالًا أودعوا في الدنيا بصمةَ شرفٍ لا تزول، وحفروا أسماءهم في سجل الخالدين حيث لا مكان إلا لمن بذل روحه في سبيل الدين والوطن.
ومن بين هؤلاء الأبطال، يسطع نجم الشهيد علي الفتلاوي، رجلٌ لم تغره حياة الرفاه ولم تثنه غربته عن نداء العقيدة، فعاد إلى أرضه ليكون سيفًا مشرعًا في وجه الطغيان، ورايةً خفّاقةً في ميادين العز، حتى ارتقى شهيدًا وترك وراءه حكايةً ترددها الأجيال بفخر وإجلال.
كان الوصول بين حياة الغربة في السويد وتراب العراق المقدس، حيث انتقلت روحٌ عاشقةٌ للشهادة، نبضها خفق بالعزة، وعيناها حلمت بالفداء، رجلٌ اختار قول الحق على صمت الذل، وحمل في قلبه جذوة العقيدة.
وُلد الشهيد عام 1968 في قضاء المشخاب بمدينة النجف الأشرف، ونشأ وسط عائلة ميسورة، لكن ثروته الحقيقية لم تكن في المال، بل في مبادئه الراسخة وإيمانه العميق بقضيته الحسينية وحبّه للوطن.
حاول النظام الديكتاتوري السابق تجنيده ضمن أجهزته القمعية، لكنه رفض بشموخ، مفضّلًا طريق التضحية على أن يكون أداةً بيد الظلم، فصدر بحقه حكمٌ بالإعدام، وهُدم منزله، وصُودرت جميع ممتلكاته، ليُجبر على مغادرة وطنه متجهًا إلى السويد.
لكن الغربة لم تكن سببًا لنسيان قضيته، بل كانت دافعًا له لنشر تعاليم الإسلام الأصيل وإحياء فكر أهل البيت (عليهم السلام).
في عام 2014، حين ارتفع نداء الجهاد الكفائي من المرجعية الدينية العليا، لم يتردد لحظةً واحدةً، فترك حياته المستقرة في السويد وعاد إلى العراق، لينضم إلى فرقة العباس القتالية، حيث اصطفّ مع إخوته في لواء أم البنين (عليها السلام)، وخاض معهم معارك الشرف في جرف النصر وبيجي وسيد غريب.
وذات يوم، سأله أحد المجاهدين:
"أبو زينب، ما الذي دفعك لترك حياتك المستقرة في السويد والقدوم إلى الساتر للدفاع مع ملبّي الفتوى؟"
فأجاب الشهيد:
"إذا لم آتِ أنا وأدافع عن وطني، فمن الذي سيدافع؟ من الذي سيحمي مقدساتنا وعقائدنا؟ نحن جنودٌ لهذا الوطن في كل حين، والعراقيون إخوة في أي زمان ومكان. نحن هنا على السواتر ندافع عن الأرض والدين والعِرض."
كان الشهيد علي الفتلاوي مثالًا يُحتذى به في الإقدام والتضحية، لا يعرف للراحة معنًى، ولا يرى في الحياة إلا ساحةً للجهاد من أجل العقيدة. وفي معركة قضاء البشير التركمانية عام 2016، كان على موعدٍ مع الشهادة، حيث رفع راية الفداء حتى ارتقى شهيدًا، ملتحقًا بقافلة الخالدين من فرسان الكفيل وملبّي الفتوى المباركة.
هكذا ضحّى أبناء الفتوى، ورسموا أجمل صور التضحية والفداء في سبيل الوطن والدين، مجسّدين قول رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ."
المجد والخلود لشهداء العراق الأبرار.
.